الأربعاء، مايو 18، 2011

نسيم الحرية





ذهبت إلى والدتي العجوز للاطمئنان عليها

 ولأخبرها بقراري النابع من قلبي وعقلي معا

 بأنني سأذهب يوم الجمعة القادم إلى ميدان التحرير

 وختمت كلماتي بكلمة اعتدت أن أطالبها بها

 قبل أن أسافر إلى أي مكان : أدعي لي

, لكنها وكعكس أي توقع منى

 قالت بانفعال شديد بعد أن رفعت يديها إلى السماء

-مما جعلني أظن أنها ستدعو لي الله بان ييسر على الأمور- :

روح يا أبنى الهي يرجعوك من نص السكة.

 أخذت منها الكلمة في ذهول شديد وتعجب اشد،

 هل هذه هي الدعوة التي كنت ألح عليها في طلبها،

 لقد طلبت منها عكس تلك الدعوة تماما،

 وجدت في عينيها نظرات الرعب والخوف الشديد

 فما حدث في السنوات الماضية فضلا عما حدث في الأيام القليلة

 الماضية لا يجعل عينيها تكاد تتمزق من الرعب والخوف فقط

 بل يجعلها -أطال الله لي في عمرها- تنهار من سماعها لهذه

 الكلمات منى.

والعجب كل العجب لم يكن –للمبصر للأحداث عن قرب –

 في رد أمي العجيب على،

 ذلك الرد الذي ربما لو مثلوه على مسرح لأهلك المشاهدين

 ضحكا، لكن العجب كله كان في تخيلي للحظة أن أمي

 والتي عاشت طويلا في العصر القامع للحريات

 والتي أدركت الحقيقة القائمة فعلا بان من يريد التعبير السلمي

 عن حقوقه سيضرب بالرصاص الحي ويردى قتيلا

وبعد أن شاهدت الأربعاء الدامي الذي يجعل الأحجار

 ترجف من الرعب لا قلوب الأمهات ستنظر لي بابتسامة فرح

 عندما أقول لها أنني ذاهب إلى التحرير " ميدان الشهداء " غدا،

 بل وستدعو لي أيضا بان ييسر الله على الطريق إليه،

 إن تصوري هذا لهو العجيب جدا .

لكنني تركت كل هذه الأفكار التي ملأت على فكرى

 وأنا أعبر الشوارع بسيارتي إلى منزلي

وانطلقت أفكر فقط في إصراري على الذهاب إلى التحرير

 بل سآخذ أولادي التواقين إلى الذهاب مثلى معي أيضا،

 هل هذا لان ما فعله هذا الطاغية بنا أكثر من طاقة أي

 بشرى أن يتحمله، أم لأنني أدركت أخيرا كما أدرك الباقون

 أن هذا الرجل و نظامه تداعت في دمائهم جينات الانتماء

 وحب الوطن لدرجة أنهم يستطيعون بكل سهولة

 قتل مئات بل ألوف- لو لم تكن هناك كاميرات ناقلة للأحداث-

 فقط للحفاظ على كراسيهم.

ولثاني مرة تعجبت من تعجبي وكأنها أول مرة يقتلون فيها

 و كأنهم لم يشبعونا من القمح المسرطن والأسمدة المسرطنه

 وكأنهم لم يدفنوا النفايات الذرية والنووية في صحرائنا

 والقادرة على إفناءنا جميعا بدون حتى أن يعترضوا

 مقابل الحفاظ على كراسيهم وملأ كروشهم فقط.

إنني بالفعل رجل عجيب حقا عجيب عندما تعجبت من أمي

 عندما دعت دعواها هذه رغم إنني ذاهب إلى مظاهرة سلمية

 للدفاع عن حقوقي وحقوق إخوتي الذين ماتوا واستشهدوا

من أجل وطني، وعجيب حقا عندما تعجبت من تصرفات

 الحاكم و أتباعه و إصرارهم على الحفاظ على كراسيهم

 ولو على حساب موت شعب بأكمله.

 ولأنني أعتقد حقا أن عجب العجاب هو الاعتقاد بأنني عجيب

 حيث أن الباطل في زماننا صار يتصرف وكأنه الحق،

 فلا أعتقد بان من يستنكره يعتبر عجيبا.

هكذا وبعد خطبة ذلك الحاكم المستفزة حقا لكل حر

 وكل رجل حسن الفطرة وصاحب هدف ورؤية-

 في زماننا "العجيب" هذا-

قررت حقا الذهاب إلى ميدان التحرير وعدم التراجع أبدا،

 والعجيب أن الله لم يستحب دعوة أمي فقد يسر لي الطريق

 كثيرا لأجدني وبعد ساعتين تقريبا في ميدان التحرير

 بل في بلدي مصر بلدي مصر التي طالما حلمت بها

و أحببتها من صميم قلبي، بلدي مصر بلد الطيبة والسماحة

 والأخلاق الكريمة والعزة والكرامة والحمية والإيثار والمحبة

 تلك الأخلاق التي طالما حلمت بان تعود من جديد وترفرف في

 قلوب المصريين جميعا والتي طالما حاولوا إبعادنا عنها،

 بلدي مصر، ما أجمل تلك الروح التي رأيتها في ذلك الميدان

 الفسيح لا أدرى

 هل زاد طولي حقا بعد أن رفعت رأسي باعتزاز بأنني مصري

 وهل استعادت روحي تألقها بعد أن ذابت مع أرواح إخوتي

لنقف وقفة رجل واحد ضد الطغيان

 أم أن أجواء الميدان هي التي طهرت مشاعرنا

 و أضاءت أرواحنا من جديد

 وبعد ساعات طويلة قضيتها مع إخوتي المصريين في الميدان

 ما بين صلاة وهتاف وتعاون ومشاهدة إبداعاتهم الكثيرة الرائعة

 سرح عقلي كثيرا وخاطبت ربى جل وعلا قائلا

 : يا ربى أنت وحدك من جمعت كل هؤلاء من مختلف الفئات

 والطبقات والديانات،

 وأنت وحدك الذي قدرت لهم الصمود في هذا المكان

 حتى اليوم

فلابد انك ستنصرهم فلابد أن فينا صالحون يستحقون نصرك

ولا يمكن ابدأ أن تضيع دماء الشهداء الذكية هدرا،

 أنت يا ربى قلت " إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا "

 وقد أحسنوا العمل وثبتوا على الحق فلابد أنك ناصرهم لا محالة

 اللهم أنا مغلوبون فانتصر، اللهم أنا مغلوبون فانتصر.

 انسابت الدمعات على وجناتي بدون حتى أن تطالبني بأذن

 فسارعت بمسحها لكن مع انسيابها

 وبعد يوم أحسست في كل ثانية فيه بنصر لله

أحسست بطمأنة عجيبة في قلبي وثقة في النصر

 عندها صدر أحلى خبر مر على منذ ولدتني أمي

 لأنه خبر الانتصار على الظلم والفساد

 وهو تنحى الرئيس الذي عذبنا طويلا طويلا

 ومكث على صدورنا كالكابوس عند سماعي للخبر

 لم أجد نفسي إلا ساجدا حامدا لله حمدا ملأ على قلبي وعقلي معا،

 احتفلت مع إخوتي بهذا الخبر الرائع

وبعد حوالي ثلاث ساعات أخذت عائلتي لنعود إلى المنزل

 لكنني و أنا في الطريق ملأ عقلي دعاء واحد

: اللهم أتم علينا نصرك و أنصرنا على القوم الظالمين،

 ومع انشغالي بهذا الدعاء لم أحرم نفسي من التأمل

 في هذه المشاهد الرائعة،

 ترى هل حقا السماء تنظر إلينا بافتخار وبفرحه،

 وهل هذه المنازل التي تحف الطريق تتراقص بفرح واطمئنان،

 مالي أرى العلم يرفرف بفخار وباعتزاز،

 كم من وجوه أشرقت بعد العبوس،

و كم من عيون أشرقت بالآمل بعد ليل طويل أعتمها من اليأس،

 الحمد لله الذي أنجانا من القوم الظالمين،

 ولم أحرم نفسي أيضا من تنسم عبق الهواء الجديد الذي لم أشمه

 قبل اليوم

 نسيم لا تصفه الكلمات و لا يقال عنه إلا أنه نسيم الحرية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق